في خطوة غير مسبوقة، فجّر مجلس المنافسة، اليوم الخميس، واحدة من أخطر القضايا التي تهدد توازن السوق وحقوق المستهلك المغربي، بعدما أعلن عن فتح تحقيق رسمي في ممارسات وُصفت بـ”المنافية لقواعد المنافسة الشريفة” داخل سوق توريد السردين الصناعي، في ظل مؤشرات قوية على وجود تواطؤ واسع النطاق بين عدد من الفاعلين الرئيسيين في هذا القطاع الحيوي.
وحسب البلاغ الرسمي الصادر عن المجلس، فإن التحقيق الذي تبنّته مصالحه المختصة، كشف عن وجود قرائن خطيرة تشير إلى اتفاقات غير قانونية استمرت على مدى عقدين كاملين، تم خلالها التحكم في الأسعار والتوزيع والإنتاج بطريقة منسقة، ما حوّل السوق إلى مجال مغلق تتحكم فيه قلة نافذة، وتُقصى منه المنافسة الحرة بشكل ممنهج.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن هذه “المافيا الاقتصادية” – كما يصفها بعض المتابعين – اتفقت سراً على تحديد أسعار البيع الأول للسردين الصناعي بشكل مصطنع، بعيداً عن آلية العرض والطلب، ما أدى إلى رفع الأسعار بشكل غير مبرر، وضرب مبدأ السوق الحرة في الصميم. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شملت التواطؤات توزيع الإنتاج بطريقة تقييدية تقصي الفاعلين الجدد وتحكم الخناق على ولوج السوق.
وفي خطوة حاسمة، قام المقرر العام لمجلس المنافسة بتوجيه تبليغات بالمؤاخذات إلى 15 هيئة مهنية، تمثل جهات وازنة تشمل مجهزين بحريين، ووحدات صناعية مختصة في تحويل وتثمين السمك الصناعي، إضافة إلى تجار سمك بالجملة. وهي الفئات التي يُشتبه في تورطها ضمن شبكات الاتفاقات السرية التي حكمت السوق لعقود.
ويُنتظر أن تُفتح جلسات استماع في إطار المسطرة الحضورية التي يتيحها القانون، مما يمنح المتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم، قبل أن يصدر المجلس قراره النهائي، والذي قد يُحدث زلزالاً قانونياً واقتصادياً إذا ما تأكدت التهم.
التحقيق، الذي بدأ كمبادرة من المجلس، جاء في وقت يعيش فيه المواطن المغربي ضغوطاً معيشية متزايدة، ما يطرح أسئلة عميقة حول من يحمي جيوب المواطنين، ومن يراقب تحركات لوبيات المال في قطاعات ترتبط بشكل مباشر بالأمن الغذائي.