الوضع الملاحظ في مدينة الحسيمة خلال الموسم الصيفي هو تطبيق كلاسيكي لقانون العرض والطلب. يتضاعف الطلب على الإقامة، النقل، والمطاعم، بينما يظل العرض، بطبيعته المحدودة وغير المرنة على المدى القصير، عاجزا عن مواكبة نفس الوتيرة. والنتيجة هي ارتفاع حاد وسريع في الأسعار، غالبا ما يتجاوز القدرة الشرائية لمعظم الزوار وحتى السكان المحليين. وتتفاقم هذه الإشكالية حين يترافق الغلاء مع تراجع ملحوظ في جودة الخدمات، مما يخلق لدى الزوار شعورا قويا بالاستغلال بدل الترحيب.
يتميز الاقتصاد السياحي في الحسيمة، كما هو الحال في العديد من المدن الساحلية، بتبعية مفرطة للموسم الصيفي. هذه الموسمية تجعل الاقتصاد المحلي هشا ومعتمدا على فترة زمنية لا تتجاوز الشهرين. خلال هذه الفترة، يسعى التجار ومقدمو الخدمات إلى تعويض خسائر سنة كاملة، وهو ما يدفع البعض إلى رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه لتحقيق أرباح سريعة. وإذا كانت هذه السلوكيات مفهومة نوعا ما من زاوية فردية، فإنها تضر بشكل مباشر بجاذبية المدينة على المدى المتوسط، وبتجربة الزائر، خاصة المغربي الذي لا يستفيد من فرق العملة كما هو حال الزائر الأجنبي.
رغم صعوبة عزل بيانات مدينة الحسيمة عن باقي مدن الجهة، تكشف الإحصائيات السياحية في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة عن هشاشة واضحة. فبين الربع الأول من عام 2023 و2024، انخفض عدد الليالي السياحية في الجهة من 303,000 إلى 245,109 ليلة. ومع ذلك، فإن الحسيمة حققت قفزة نوعية في عدد الليالي السياحية خلال صيف 2024، بنسبة 75% حتى نهاية أغسطس، ما يجعلها من أبرز الوجهات المتألقة خلال موسم الذروة. إلا أن هذا الازدهار المؤقت يخفي وراءه هشاشة هيكلية ناتجة عن اعتماد مفرط على فترة محدودة.
يضاف إلى العوامل البنيوية تأثير التضخم العام، الذي طال أسعار النقل الجوي والرحلات المنظمة. ومع ارتفاع تكلفة السفر، يلجأ الزوار إلى وجهات بديلة أكثر اقتصادية، مما قد يجعل الحسيمة أقل تنافسية في السوق السياحية الداخلية، خاصة بالنسبة للفئات المتوسطة أو الزوار المحليين القادمين من مناطق أخرى.
من بين أبرز مشكلات السياحة في الحسيمة غياب التنظيم والرقابة الفعالة. فعدم وجود آليات لضبط الأسعار وضمان جودة الخدمات يسمح بانتشار ممارسات تعسفية، مثل الغش في التسعير أو الإهمال في الخدمة. هذه الفوضى لا تضر فقط بالزوار بل تشوه صورة المدينة، وتضعف من قدرتها التنافسية مقارنة بوجهات أخرى داخل المغرب .
الياس المرابط
