الكساب المغربي البسيط يجد نفسه اليوم في وضع لا يحسده عليه أحد. بين واقع سوق متقلب، وبين حضور قوي لفئة أصبحت تتحكم في مفاصل التوزيع والأسعار.
هؤلاء الذين أسميتهم في أكثر من مناسبة بالفراقشية أو تجار الأزمات، ليسوا مجرد أفراد يسعون للربح، بل شبكة واسعة تستثمر في كل فراغ، وتتحرك كلما ظهر دعم أو تدخل حكومي، لتحوله إلى فرصة ربح سريع، على حساب من كان يفترض أن يستفيد منه.
الدولة عندما تمنح دعما للكساب، فهي تفعل ذلك بنية واضحة هدفها حماية القطيع الوطني و دعم القدرة على الاستمرار، مع تخفيف الضغط عن سلسلة الإنتاج. لكن ما يحدث في الواقع شيء مختلف.
الدعم يُصرف من جهة، ثم يجد طريقه في الجهة المقابلة إلى جيوب من يعرفون كيف يحولون أي قرار إلى مكسب خاص. وهنا تحديدًا يظهر غياب الحكامة في تدبير المال العام. فالدعم بلا مواكبة، وبلا رقابة، يتحول إلى مصدر خلل بدل أن يكون وسيلة إنقاذ او كما نقول بالدارجة -المال السايب كيعلم السرقة- .
لقد رأينا هذا السيناريو يتكرر أكثر من مرة. في ملف السكن، ارتفعت الأسعار بمجرد الإعلان عن دعم الأسر من أجل اقتناء السكن. وفي ملف استيراد المواشي واللحوم، تحولت 13 مليار درهم إلى فرصة لتعزيز احتكار مجموعة قليلة للسوق.
واليوم نرى الأمر نفسه يتكرر مع النخالة، حيث ارتفع ثمن الكيس بشكل غير مفهوم مباشرة بعد صرف الدعم المخصص للكسابة. فلا الفلاح الصغير استفاد، ولا القطيع استفاد، بل استفاد من يعرف كيف يستبق القرارات وكيف يلتقط الإشارات وينقض على الفرص.
الكساب اليوم ليس في حاجة إلى دعم مالي فقط، بل في حاجة إلى حماية. حماية من الارتفاعات غير المبررة، من المضاربين، ومن سلوكيات تفرغ أي قرار من محتواه. حماية من فوضى تجعل الدعم يفقد معناه، وتجعل الدولة تبدو وكأنها تقدم بيد وتُنتزع منها باليد الأخرى.
وإذا قلنا إن المشكل الحقيقي هو غياب الحكامة، فذلك لأن الحكامة لم تعد ترفا ولا شعارا سياسيا، بل هي الضمانة الوحيدة لكي لا يصبح المال العام غنيمة موسمية.
الحكومة اليوم مطالبة بمتابعة أثر الدعم، لا فقط الإعلان عن صرفه. مطالبة بتتبع مساره، ومراقبة سلاسل التوزيع، وضبط مسالك المضاربة، لأن حماية الدعم ليست أقل أهمية من تقديمه.
الكساب المغربي البسيط هو الحلقة الأضعف في سلسلة طويلة، لكنه في الوقت نفسه العمود الفقري للأمن الغذائي. ولا يمكن أن نتحدث عن استقرار اجتماعي دون حماية هذا الفلاح الذي يواجه تقلبات السوق وحده. السؤال اليوم لم يعد هو من يستحق الدعم، بل من يحمي المستحق الحقيقي للدعم من الذين حولوا كل مبادرة عمومية إلى فرصة خاصة.
وفي النهاية يبقى سؤال واحد يفرض نفسه بهدوء ووضوح:
من يحمي الكساب المغربي البسيط؟
هل تكفي النية الحسنة للدولة، أم أننا نحتاج إلى نظام تتبع ورقابة يجعل الدعم يصل إلى من يستحقه فعلاً قبل أن تبتلعه آلة الفراقشية من جديد؟
د : وصفي البوعزاتي














