يوم الاثنين 5 يونيو 2017، بعد العصر بقليل، ستصل إلى منزل بنكيران بحي الليمون سيارة تقل والدي ناصر الزفزافي ومعهما المحامي محمد زيان. الزيارة التي تم الترتيب لها لمدة أسبوع، بمجهود من المحامي زيان، وبرلمانيي العدالة والتنمية نبيل الأندلسي وسعاد الشيخي، اللذين كان ينسق معهما حامي الدين أولا بأولا، وبتوجيه من بنكيران.
كان مفترضا أن تكون الزيارة بداية زيارات أخرى متواصلة، لكن شاءت “أقدارهم” أن لا يقوم بنكيران بالمهمة التي اقترح نفسه للقيام بها، فكانت هذه الزيارة هي الأولى وهي الأخيرة. لكن من غريب المصادفات، كانت والدة ناصر الزفزافي كما لو أنها حدست كل شيء، ففي أول لقاء تملكها غضب شديد مما قاله بنكيران، وغادرت منزله ساخطة، رغم محاولات زوجها الفقيد أحمد الزفزافي أن يهدئ من روعها، ويحتفظ بقدر من الدبلوماسية في مثل هذه اللقاءات. لكن حدس الأمومة كان أقوى من كل شيء، فرفضت البقاء في منزل بنكيران لتناول وجبة الإفطار، وغادرت المنزل غاضبة ساخطة قبل نصف ساعة من موعد الإفطار. فكيف حدث هذا ولماذا؟
يوم الاثنين ذاك، كان يوم صيام وحر قائظ، دخل الضيوف إلى منزل بنكيران، استقبلهم بقفشاته المعهودة، ثم بعد السؤال عن الصحة ورمضان، حاول بنكيران أن يقترب شيئا فشيئا من الموضوع، وقال إنه ما كان على ساكنة الريف أن يخرجوا إلى الشارع بتلك الطريقة، لأن المنطقة تحظى باهتمام خاص من جلالة الملك محمد السادس. نعم هناك اختلالات، لكن لا تستدعي الاحتجاج بتلك القوة وتلك الطريقة، لأنها طريقة أحرجت الدولة وظهرت كما لو أنه ليس احتجاجا، وإنما إصرارا على إحراج الدولة.
حينها تدخل الراحل أحمد الزفزافي، وحاول أن يشرح له أن الأمر ليس كذلك، بل إن المنطقة تعيش ركودا اقتصاديا رهيبا، وهؤلاء الشباب الذين خرجوا لقيادة الحراك لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن شعروا أن السكين وصل إلى العظم. ثم أضاف بما يشبه توجيه نوع من العتاب لبنكيران، إذ قال له: “لا أدري كيف يحدث لأناس مثلكم، يكونون في البدء مناضلين، لكن بمجرد ما يصلون إلى كراسي السلطة ينقلبون على أنفسهم”. قاطعه بنكيران قائلا: “أنا لست ابن السلطة ولا ابن الكرسي، أنا كنت مناضلا وما زلت كذلك، لكن طبعا الآن من موقعي”. فرد عليه والد الزفزافي بنبرة ساخرة: “أنا لا أعرف إلا مناضلا واحدا، دخل السجن مناضلا، ووصل إلى كرسي الحكم مناضلا، ومات مناضلا، هو نيلسون مانديلا، أما ما سواه فأغوتهم حلاوة السلطة ونسوا ما كانوا يقولونه”.
المهم، بعد أن مرت جولة القفشات والكلام المجامل، وبينما كانت الساعة تدنو من المغيب في يوم رمضاني حار، عاد بنكيران للحديث عن حراك الريف، وقال لوالدي ناصر: “لنكن صرحاء، أبناؤكم متهورون ولم يقدروا العواقب، ليس بمثل هذا الاحتجاج يمكن أن يدافعوا عن مطالبهم”.
هنا ثارت ثائرة “خاتشي زليخة” والدة ناصر، وواجهت بنكيران بحزم، قالت له: “أبناؤنا تاج على رؤوسنا، هم أشرف منكم وأحرص منكم جميعا على وطنهم، لم نأت إليك لنسمع منك سبا وقذفا في حق أبنائنا المعتقلين ظلما وعدوانا”.
بنكيران أصابه التلعثم أمام هذا السهم القاطع الذي أطلقته والدة ناصر، بدأ يتمتم، وتدخل والد ناصر يهدئ من روع زوجته، ويطالبها بالصبر وعدم الانجرار مع الاستفزاز، بينما والدة ناصر كانت واقفة وهي توجه هذه الصفعة لبنكيران.
بعد ذلك حاول بنكيران أيضا أن يهدئ الوضع، وقال لها: “شوفي اخالتي، را أنا جيت لول فالانتخابات وجرى علي الملك، ما بغانيش نكون رئيس الحكومة، واش غنوض ندير الصداع؟”، ثم حاول أن يراوغ بأنه لا يقصد ابنها ناصر، وإنما يتحدث عن الحراك بصفة عامة، وعما بدر من بعض الأشخاص المحسوبين على الحراك، إلا أن والدة ناصر رفضت هذا التفسير المخاتل، وقالت له بحزم: “أنا لا أدافع عن ابني فقط، بل أدافع على جميع أبنائي المعتقلين ظلما”، وأصرت على مغادرة منزله، معلنة أنه لا يمكن لها أن تمكث في منزل من يتهجم على أبناء الحراك المعتقلين.
بعد أخذ ورد، قرر والدا ناصر مغادرة منزل بنكيران، رغم أنه ترجاهما البقاء لأخذ إفطار رمضان في منزله، لكنهما أصرا على مغادرة المنزل، ولم يتبق على أذان المغرب إلا أقل من نصف ساعة، وتناولا إفطارهما في إحدى مقاهي الرباط. وقبل أن يخرجا، طلب بنكيران من أحمد الزفزافي أن يرافقه مع صلاة العشاء إلى ضريح محمد الخامس، حيث وافق يوم الاثنين 5 يونيو العاشر من رمضان حينها، وهو الموعد الذي يكون فيه حفل ديني في الضريح بمناسبة ذكرى وفاة محمد الخامس يحضره الملك وكبار الشخصيات المدنية والعسكرية. بعد هذا الطلب، وهما على عتبة الباب الخارجي، نظر إليه عيزي نظرة تحقير إلى هذا المخلوق، ثم قال له: “الله يعاونك السي بنكيران”، دون أن يرد على طلب اصطحابه إلى الضريح بالرفض ولا بالقبول.
في اليومين المواليين تحدثت وسائل الإعلام المقربة من بنكيران حينها عن هذه الزيارة برواية أحادية، تحدثت عن علاقة التعارف التي تجمع بنكيران وأحمد الزفزافي منذ سنوات، كما تحدثت عن الجو الإيجابي الذي ميز اللقاء، وعن وعن…
غير أنه بعد أسبوع من ذلك، سيتسرب خبر انتفاض والدة ناصر في وجه بنكيران، وتسربت أخبار عن كون اللقاء لم يمر كما تحدثت وسائل الإعلام في الأول، وقامت جريدتان إلكترونيتان معروفتان بنشر شيء من هذا الخبر.
عندما اطلع بنكيران على الخبر في الجريدتين المقصودتين، غضب كثيرا وحاول احتواء الأمر، فاتصل بمديري نشر الجريدتين هاتفيا، وطلب منهما تكذيب الخبر، وأوضح لهما أن الخبر لا أساس له من الصحة، وأن اللقاء كان وديا لا أقل ولا أكثر.
أحد المديرين (لأنه يعرف بنكيران جيدا وخبره) طلب منه أن يمكنه من تكذيب مكتوب وموقع من طرفه إن أراد نشره، لكن بنكيران رفض، وتحجج بكونه لا يريد أن يكبر الموضوع أكثر، وأنه تواصل معه من أجل الحقيقة، وهي أنه لم يكن هناك أي غضب من والدة ناصر، وأن اللقاء كان وديا، لكن الصحافي رفض نشر التكذيب دون تمكينه من تكذيب مكتوب وموقع.
مدير الموقع الأول هاله اتصال بنكيران، وحاول أن يبحث عن طريق سالكة لنشر التكذيب لتفادي غضب بنكيران، فقام بالاتصال بوالد ناصر الزفزافي، محاولا إيجاد طريق أخرى لتكذيب الخبر، غير أن أحمد الزفزافي كان دبلوماسيا محترفا، كما لو أنه خبر جيدا كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف. اتصل به الصحافي صاحب الموقع، وسأله هل فعلا إن زوجتك ثارت في وجه بنكيران، فرد عليه والد الزفزافي قائلا: “الذي أستطيع أن أقوله لك هو أنني لا أنفي ولا أؤكد هذه الواقعة”، وانتهى كلامه. فوقع الصحافي في حيص بيص ولم يدر ما يفعل، لكنه في الأخير نشر ما قاله له بنكيران في الهاتف، دون أن يذكر شيئا من رد والد الزفزافي عن اتصاله به لأخذ رأيه في الموضوع.
حاشية 1:
لهذا كله، بنكيران يشعر بالخواء والقزمية تجاه ناصر الزفزافي وأسرته، ويسكنه حقد دفين تجاههم، لأنه رأى فيهم ما يفتقده هو، رأى فيهم الشموخ والإباء والوطنية الحقة، بينما هو لم يكن يوما إلا متزلفا ممتلئا بخوائه، ما زال يظن، مثل الديك، أن بصياحه تشرق الشمس، وبصياح بنكيران جنب المغرب تبعات ربيع الشعوب.
حاشية 2:
عندما نشرتُ معطيات هذه التدوينة حينها، وصلت إلى بنكيران فاستشاط غضبا، وأوعز إلى بعض مقربيه أن يعرفوا من هذا الذي كتب هذا. وفعلا هناك من مقربيه من تواصلوا مع أصدقاء مشتركين، وأبلغوهم أن ما كتبه محمد المساوي، رغم أن فيه بعض الصحة، إلا أنه فيه زيادات كثيرة، وأن بنشره لمثل هذه المعطيات يخدم التحكم، وأننا لا ندري من يسرب له هذه المعطيات ولأي غرض.
وصلتني الرسالة، وكل واحد مضى في طريقه.
هذا ما كان.
**محمد الموساوي














