شهدت شواطئ شمال المغرب، خاصة في منطقة الريف، تحولًا جذريًا خلال العقود الأخيرة، انتقل بها من فضاءات مفتوحة ومشتركة إلى مناطق محتكرة ومحاصرة. نخص بالذكر هنا شاطئ المضيق (الرينكون) وشاطئ كابو نيكرو (الرأس الأسود)، اللذان تحولا من ملك عام للرعية إلى ممتلكات شبه خاصة، تقف خلفها شبكة معقدة من النفوذ السياسي والاقتصادي.
في سبعينيات وثمانينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان شاطئ المضيق يمتدّ على مسافة شاسعة من منطقة “سبعة رجال” وصولًا إلى مشارف باب سبتة، باستثناء بعض الفنادق القليلة التي كانت تحجز بضع أمتار لزوارها، مثل فندق هوليداي في الرينكون. باقي الشاطئ كان مفتوحًا في وجه العموم، يشكل متنفسًا طبيعيًا لأبناء المنطقة والزوار من مختلف أنحاء المغرب.
لكن مع مرور الزمن، ومع أفول فندق هوليداي، تغير المشهد جذريًا. حلّ محله فندق سوفيتيل، الذي أصبح يضم إقامات فاخرة محجوزة لأصحاب النفوذ، إلى جانب وحدات معدّة للكراء بأسعار خيالية، لا تقدر عليها الطبقة المتوسطة أو الفقيرة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت مساحات واسعة من الشاطئ محجوزة بالكامل، وممنوعة عمليًا على المواطنين.
فعلى مقربة من الشاطئ، توجد إقامة ملكية، تليها مباشرة إقامات لأفراد من العائلة الملكية، ثم فندق يعتقد أنه تابع للبلاط نظرًا لملاصقته للإقامة الملكية. وفي الامتداد الساحلي نفسه، نجد فندق كابيلا الفاخر، يليه قصر الرمال، المملوك لـ هشام العلوي، المعروف بلقب “الأمير المنبوذ”، كما وصف نفسه في مذكراته.
بهذا الشكل، تم تقسيم الشاطئ كما توزع “الغنائم”، وأصبح الملك العام محتلًا من طرف قلة من أصحاب الامتيازات، بينما تُرك عامة الشعب يكتظون في رقعة صغيرة من الساحل لا تكفي حتى لسكان المدينة، فكيف بمن يفدون من مدن مجاورة أو من باقي ربوع الوطن؟
أما شاطئ كابو نيكرو، فهو الآخر لم يسلم من هذا المنطق الاحتكاري، حيث غزت المشاريع العقارية الفاخرة ضفافه، وأصبح يلزم المرور عبر بوابات وتجاوز حراس من أجل الوصول إلى الشاطئ، وكأننا في أراضٍ خاصة لا في فضاء عمومي.
إن ما يحدث في هذه الشواطئ يعكس سياسة ممنهجة لتحويل الملك البحري العام إلى ضيعات خاصة، وهو ما يتنافى مع روح الدستور المغربي الذي ينص على المساواة في الاستفادة من الثروات الوطنية، وعلى ضمان الولوج الحر إلى الشواطئ.
أمام هذا الوضع، يبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن المغربي محرومًا من حقه الطبيعي في البحر؟
وهل سيُفتح يومًا هذا الملف للنقاش العام، ويُعاد الاعتبار للشاطئ كمجال عمومي لا يُحتكر؟
تاكفاريناس بنعلي