في وقت يعيش فيه فريق شباب الريف الحسيمي، الذي كان لعقود رمزاً كروياً لمنطقة الريف، واحدة من أصعب مراحله، يسطع نجم نادٍ آخر من قلب مدينة الحسيمة، ليمنح الأمل مجدداً للمشهد الرياضي المحلي.
إنه النادي الرياضي الحسيمي، الفريق الثاني بالمدينة، والذي شق طريقه بصبر وعزيمة وسط واقع رياضي مأزوم وإمكانات محدودة. هذا الفريق يُدار اليوم من طرف رئيسه سمير بومسعود، أحد أبناء الجالية والرئيس السابق لشباب الريف الحسيمي، والذي أعاد إحياء الطموح داخل هذا المشروع الرياضي الشاب.
من التأسيس إلى التحدي: مسيرة نادٍ بعزيمة الكبار
تأسس النادي الرياضي الحسيمي سنة 1992، وبدأ مسيرته في الأقسام الشرفية لعصبة الشرق، دون أن يحظى آنذاك باهتمام إعلامي أو رسمي. غير أن عزيمته ظهرت مبكرًا، إذ نجح في موسم 1993 في تحقيق أول صعود له إلى القسم الهواة الثاني “ب”، مؤكداً طموحه في تمثيل المدينة بصورة مشرفة.
ورغم عودته بعد ثلاث سنوات إلى الأقسام الشرفية، حافظ الفريق على روحه النضالية برئاسة المرحوم عبد الصادق ابو النجات “مانيكس”، وعمل في صمت على بناء مجموعة شابة، طموحة ومؤمنة بقدراتها، ومتشبثة بالانتماء للمدينة.
موسم استثنائي وصعود مستحق
شهد موسم 2023-2024 لحظة فارقة في مسار النادي، حيث حقق الصعود إلى القسم الممتاز لعصبة جهة طنجة تطوان الحسيمة، بعد فوزه على مولودية تطوان بنتيجة (2-1) في معقل ميمون العرصي في عودة تاريخية في الشطر الثاني من البطولة بعدما كان قابعا في الرتبة 10 في نهاية الشطر الاول من البطولة.
جاء هذا الإنجاز كثمرة عمل جماعي قاده الطاقم التقني، بقيادة المدرب عبد الحفيظ اسماعيلي ومساعده سفيان بوغليظ، مع لاعبين شباب ينحدرون من المدينة، ما يعكس استثماراً ناجحاً في الرأسمال البشري المحلي و عمل كبير للمكتب المسير.
معاناة مالية رغم النجاح
ورغم هذا التألق الرياضي، فإن النادي يواجه إكراهات مالية خانقة. فالفريق، الذي يمثل اليوم الأمل الوحيد لكرة القدم بالحسيمة، يُدبّر شؤونه بإمكانيات جد محدودة، معتمدًا على تضحيات أطره وغيرتهم على المدينة، في ظل تجاهل كبير من الجهات الداعمة، وكأن نجاحه لا يعني شيئاً.
وقد طالب المكتب المسير مراراً بتمكين الفريق من الدعم العمومي، ورفع قيمة منحه بما يتماشى مع ما تقدمه فرق أخرى تحظى بكل الدعم دون أن تحقق نتائج تُذكر. وهو مطلب مشروع نظراً للدور الرياضي والتربوي الذي يلعبه الفريق، في غياب بدائل أخرى لاحتضان شباب المدينة.
أمل الحسيمة الجديد
في ظل التراجع الكبير الذي يعرفه شباب الريف الحسيمي، والذي يعاني في أقسام الهواة، يبرز النادي الرياضي الحسيمي كنموذج لإرادة التغيير ورفض الاستسلام. إنه نادٍ يستحق التفاتة حقيقية من الجماعة الترابية، والمجلس الإقليمي، وباقي الشركاء، من أجل دعمه ومواصلة مسيرته ليصبح الحصن الأخير لكرة القدم بالحسيمة.
وفي خرجة إعلامية عبر إحدى الإذاعات الوطنية، كشف الرئيس سمير بومسعود أن الفريق لا يتلقى سوى 10% من ميزانيته التقديرية، المحددة في 100 مليون سنتيم، أي ما يعادل 10 ملايين سنتيم فقط، تصرف في وقت متأخر من الموسم، من طرف المجلس البلدي، دون أي دعم من باقي الجهات.
موسم 2025-2026: تألق رغم كل التحديات
ورغم هذا الوضع، بصم الفريق على موسم استثنائي خلال هذا الموسم 2025-2026، إذ يتصدر مجموعته برصيد 20 نقطة، وعلى بُعد نقطة واحدة فقط من ضمان التأهل لمباريات السد المؤهلة للقسم الوطني هواة.
يقود الفريق هذا الموسم الإطار التقني ادريس بولحجل، اللاعب والمدرب السابق لشباب الريف الحسيمي، والذي وظف خبرته الكبيرة في تدبير الفريق بكفاءة. ويساعده كل من المدربين عبد الحفيظ اسماعيلي وسفيان بوغليظ، مما منح الفريق استقراراً تقنياً وانعكاساً إيجابياً على نتائجه.
دعم الفريق استثمار في مستقبل المدينة
دعم هذا الفريق لا يجب أن يُنظر إليه كمجرد دعم رياضي، بل كاستثمار اجتماعي وثقافي وتنموي في شباب المدينة، الذين يحلمون بإعادة الحسيمة إلى واجهة المنافسات الوطنية. فالنادي الرياضي الحسيمي اليوم ليس فقط نادياً صاعداً، بل مشروع حياة لجيل جديد، يستحق كل العناية والاهتمام.