بمجرد أن تضع الشمس أولى حقائبها على شواطئ الحسيمة، ومع اقتراب عطلة الصيف، تبدأ فوضى احتلال الملك العام والشواطئ بلا استئذان. تُقسم الرمال وكأنها غنائم حرب، لا يُعرف تاريخ بدايتها ولا شروط نهايتها. الكراسي والطاولات تغزو الشواطئ، كما لو أن المدينة تستعد لاستقبال مؤتمر دولي لمستغلي الملك العمومي.
في شاطئ “كلابونيتا”، تبدأ معركة “الرمال المقدسة” كل عام، حيث يسابق البعض الآخر في زرع كراسيهم في الرمال وكأنهم يوقعون عقود ملكية. أما في شاطئ “تلايوسف”، فالمشهد أكثر تنظيمًا: تقسيم هندسي دقيق وتجهيزات على الرمال، وأكشاك كبيرة وكراسي تشل حركة المصطافين، وكأننا في غابة… فقط دون قانون.
في شاطئ المد، شاطئ أزضي، وشاطئ سيباديا، يتكرر نفس السيناريو، لكن بدايةً من شهر يوليوز. أما النص القانوني الذي يمنع استغلال أكثر من 30% من الشاطئ؟ في الحسيمة، لا يُقرأ، بل يُفسر على طريقة “خذ ما شئت، ودع ما تبقى للبحر”. السلطات؟ تمر من هناك، تلوح للمصطافين، وتلتقط صورًا تذكارية… دون تعليق.
وإذا تساءلت عن جولة ليلية، فجرب فقط أن تتجول على الكورنيش. بعض الإنارات تتوهج خجلاً ثم تنطفئ بسرعة، وكأنها تخشى أن ترى ما آل إليه المكان. وعلى امتداد الكورنيش: مرحاض؟ غير موجود. الحل: “حائط الظل” ليلاً، و”الغطس الاضطراري” نهارًا. البحر؟ لم يعد فقط مكانًا للسباحة، بل أيضًا “مرحاضًا شعبيًا”، ولا شاطئ يتوفر على مرحاض عمومي معتمد من وزارة الغياب الجماعي.
أما حملات تحرير الملك العمومي، فهي تشبه ظهور “الهلال في الضباب”: تلوح مرة في السنة، ثم تختفي، ولا يراها أحد مرتين. الشوارع، مثل شارع الأندلس وحجرة النكور، تحولت الأرصفة فيها إلى رفوف عرض: سراويل، أحذية، خردة، وبائعون يتحدّون الجاذبية، بينما المواطن يمارس رياضة القفز بين المعروضات.
على طول شارع مبارك البكاي، من بدايته حتى الزاوية العلاوية، تحدي من نوع خاص. المحلات التجارية تحتل كل زاوية، بينما السلطات تتابع المشهد من خلف زجاج سياراتها المكيفة، ربما ظنًا منها أنها تمرّ وسط معرض فني للفوضى العشوائية.
ومع بداية موسم الصيف، ومع توافد أول الزوار، خصوصًا الجالية المغربية المغتربة، تصبح الأسعار في المدينة كأنها راقصة في بورصة الحسيمة الصيفية! الشقق بأسعار تضاهي شقق البوكينغ وAIRBNB، المطاعم ترفع قائمة الأسعار في مزاد مفتوح، والمصطاف يُحاسب على الكرسي والطاولة ثم الطعام والمشروبات، وإذا استمر الحال على هذا النحو، سيُحاسب على الهواء الذي يتنفسه. تحية لبعض أصحاب المطاعم والمقاهي والمحلات الذين يحافظون على تسعيرة واحدة طوال السنة.
أما مواقف السيارات؟ لا تقلق، فقط احترم “قوانين الملاك الجدد”. كل رصيف محجوز بصندوق، أو قنينة ماء، أو حبل غسيل، وسلاليم. إنها “الملكية الشعبية” في أبهى تجلياتها، وما تبقى يحتله أصحاب الجيلي الأصفر.
ورغم هذا، تُعتبر الحسيمة من أغلى مدن الشمال في المعيشة، لكنها تعيش فقرًا إداريًا فاقعًا. بعض المسؤولين محترفون في فن الغياب، ومجالس جماعية لا تتقن إلا الخطابات، والصراعات، والمواطن الذي أدلى بصوته يؤدي الثمن. تحية لبعض الشرفاء في المجلس الذين يواجهون الوضع بشجاعة.
أتمنى زيارات متتالية لجلالة الملك حفظه الله للحسيمة، كي تُحرّك عجلة العمل بسرعة غير عادية. حيث يصبح المسؤولون في سباق مع الزمن لتدارك ما يمكن تداركه، لأنهم يعرفون أن الملك لا يرضى بالإهمال أو التهاون. والغضبة الملكية معروفة بتأثيرها القوي. وهذا يعكس أيضًا كيف أن وجود رقابة عليا فعلية قادرة على خلق نوع من الانضباط. ولو كان هذا النفس حاضراً دائمًا، لرأينا مدننا في أفضل حال.
فهل من مسؤول يجرؤ على خلع ربطة عنقه، وارتداء قبعة الإنقاذ، والنزول إلى الميدان؟
هل زار أحدهم طنجة، أو مرتيل، أو حتى قرية “الصيادين” في المضيق ليتعلم كيف تُدار المدن التي تشهد رواجًا في الصيف؟
أم أننا سننتظر الصيف القادم… لنكتب نفس المقال؟
لا نطلب المستحيل، فقط… قليل من المسؤولية!
خربشة بعيدة عن تصفية الحسابات، لأنني لست سياسيًا، ولست متحزبًا أو جمعويًا، ولا أنتمي لأي هيئة. أكتب لغيرتي عن مدينتي التي رأيت فيها النور، وفيها كبرت وترعرعت، وأعيش بين أهلها.
محمد عابد