يتابع المرصد المغربي لحماية المستهلك بقلق بالغ موجة الارتفاع غير المسبوق في أسعار السردين داخل الأسواق المغربية، وما يرافقها من اضطراب واضح في سلاسل التوزيع وضعف في وفرة المنتج، مما انعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود الذين اعتادوا منذ سنوات اعتبار السردين “سمك الفقراء” ومصدرًا أساسياً للبروتين في موائدهم اليومية.
تشير المعطيات التي رصدها المرصد، استنادًا إلى تقارير وطنية ومصادر رسمية، إلى أن أسعار السردين في الأسواق المغربية قد شهدت ارتفاعات متكررة خلال الأشهر الأخيرة، حيث تجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد في بعض المدن 25 إلى 30 درهمًا، بعدما كان لا يتعدى في السنوات الماضية 3 إلى 5 دراهم في فترات الوفرة. كما تراوحت أسعار الصناديق بين 100 و450 درهمًا بحسب الموانئ والمواسم، وهو ما جعل هذا المنتوج الشعبي يخرج تدريجيًا من متناول فئات واسعة من المواطنين.
ويرجع هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، منها التراجع الملحوظ في كميات الصيد بنسبة قاربت 40 ٪ خلال العامين الأخيرين بسبب تغيّرات مناخية وهجرة أسراب السردين إلى أعماق يصعب الوصول إليها، إضافة إلى اختلالات في منظومة التوزيع واحتكار بعض الوسطاء للأسواق، وغياب تدخل فعّال للسلطات المعنية لضبط الأسعار ومراقبة الجودة.
ويسجّل المرصد المغربي لحماية المستهلك، انطلاقًا من بيانات المندوبية السامية للتخطيط، أن القدرة الشرائية للمغاربة تعاني أصلاً من ضغط كبير مما يجعل أي زيادة طفيفة في أسعار المواد الأساسية – ومنها السردين – تؤثر بشكل مباشر على التوازن المعيشي للأسر.
وتُظهر الإحصاءات أيضًا أن حوالي 35 ٪ من دخل الأسر يأتي من الأجور، بينما تمثل التحويلات والدعم والمساعدات حوالي 21 ٪ فقط، ما يعني أن الأغلبية الساحقة من المواطنين تعتمد على دخل ثابت بالكاد يغطي المصاريف اليومية. كما أن التضخم العام الذي تراوح في بعض الفترات بين 0.4 و1 ٪ لم يمنع من تسجيل زيادات كبيرة في المواد الغذائية الأساسية، خاصة تلك المرتبطة بالبحر والمنتجات الطازجة.
إن هذا التدهور في القدرة الشرائية جعل العديد من الأسر المغربية تُقلِّص استهلاكها من السمك بشكل عام، ومن السردين بشكل خاص، بعدما أصبح سعره يوازي أسعار أنواع كانت تُعتبر سابقًا فاخرة أو موجهة للطبقة المتوسطة. في المقابل، تتراجع جودة بعض البدائل المعروضة في السوق، خصوصًا المنتجات المجمدة أو المستوردة ذات القيمة الغذائية المحدودة.
أمام هذه الوضعية المقلقة، يدعو المرصد المغربي لحماية المستهلك الحكومة ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، ووزارة الصناعة والتجارة، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تهم أساسًا مراقبة الأسعار ومكافحة المضاربة، وضمان وفرة المنتوج عبر تفعيل المخزون الاحتياطي الوطني، وتقديم دعم مرحلي للمهنيين في سلاسل التوزيع والتعليب لتفادي الانقطاعات في السوق. كما يطالب المرصد بتعزيز آليات الرقابة على الجودة والمطابقة الصحية، وإشراك جمعيات حماية المستهلك في تتبع الأسعار والتبليغ عن الممارسات غير القانونية، بما يضمن شفافية التعامل وحماية المستهلك.
ويؤكد المرصد المغربي لحماية المستهلك أن استمرار هذا المنحى التصاعدي في أسعار السردين سيؤدي لا محالة إلى ضرب التوازن الغذائي والاقتصادي للأسر محدودة الدخل، وإلى تعميق الفوارق الاجتماعية في الولوج إلى الغذاء الصحي، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية التي يضمنها الدستور المغربي ومع التزامات الدولة في مجال الأمن الغذائي.
إن المرصد المغربي لحماية المستهلك، إذ يُعبّر عن تضامنه مع الفئات المتضررة من الغلاء، يجدد دعوته إلى اعتماد سياسة وطنية شاملة توازن بين مصلحة المهنيين وحماية المستهلك، وتُعيد للسردين مكانته كغذاء شعبي متاح لكل المواطنين، لا كمنتوج يُسعّر حسب تقلبات السوق والمضاربة














