عكست الاحتجاجات السلمية والمطلبية للشباب المغربي خلال السبت والأحد من اليومين الماضيين، منحى نضاليا جديدا حول الحق في الصحة والتعليم وبقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها من التشغيل والسكن
والتي تعتبر احتجاجات صحية تحمل في طياتها بوادر التغيير في اتجاه تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، لجيل جديد لا يمكن مقارنته مع شباب فرنسا في الستينات من القرن الماضي، لكونه كان مؤطرا بإيديولوجية سياسية ذات أفق راديكالي، وفق عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو
كما أن هذا الجيل الجديد من الشباب المغربي لم يعش المرحلة التاريخية الممتدة من سنة 1965 إلى سنة1990 تلكم المرحلة التي انتشرت فيها مفاهيم علم الاجتماع التي أدرجت تلك الأحداث الاجتماعية، في سياق الانتفاضات والهزات الاجتماعية الكبرى التي يرافقها عنف خطير يسقط فيه العديد من الضحايا وتوزع فيه الأحكام القاسية على المعتقلين، والتي تقودها أحزاب سياسية وحركات نقابية معارضة للدولة والحكومة .
بل إن هذه الحركة الاحتجاجية السلمية أطلقها الشباب المغربي وقاموا بالدعوة إليها من خلال حركة زيد، وتمحورت مطالبها بالأساس حول الحق في الصحة والتعليم وبقية الحقوق الاجتماعية الأخرى من الكرامة والحرية والشغل والعدالة الاجتماعية، متخذة من التعبيرات الرقمية والفضاء التكنولوجي وسيلة للتأطير والتعبئة وحشد الدعم لها من الشباب، والمتعاطفين معها الذين قاموا بدعمها والانضمام إليها
لكن للأسف، فقد تم تطويق هذه الدينامية الاجتماعية الشابة من قبل القوات العمومية التي اعتمدت مقاربة أمنية صرفة، قامت على أساس قمع ومنع كافة أشكالها الاحتجاجية في العديد من المدن المغربية، وما رافق ذلك من توقيفات متعددة من قبل عناصر الأمن، تم تسريحها والإفراج عنها لاحقا
كما يكمن وجه الاختلاف مع الجيل القديم من الإطارات السياسية والنقابية الكلاسيكية، التي كانت تجد نفسها أمام قانون الحريات العامة الذي يستند إلى مبادئ عامة وقوانين إدارية عادية، لا يضمنها أو يحميها القضاء الدستوري والمقتضيات القانونية للدستور،
على عكس أو نقيض الحريات الأساسية الواردة في الباب الثاني من دستور 2011، والتي تستمد قوتها حتى من المواثيق الدولية المعاصرة، وهي كلها مكتسبات قانونية وحقوقية لصالح هذا الجيل الجديد المتطلع نحو الكرامة وكافة حقوقه الاجتماعية، انطلاقا من عالم الفضاء الأزرق والإمكانيات الواسعة التي يتيحها على مستوى الإخبار والتواصل
وتتماهى هذه الحركية الشابة الجديدة مع احتجاجات 20 فبراير وحراك الريف بالخصوص على مستوى المطالب الاجتماعية والاقتصادية، والذي حاول البعض للأسف شيطنته واتهامه بالانفصال والعمالة للخارج، مما أدى إلى مزيد من الاحتقان وتأجيج الوضع بين الدولة والحركة الاحتجاجية آنذاك
إضافة إلى الهفوات حسب تعبير الباحث عبد الرحيم رشيق في مؤلفه السوسيولوجي “المجتمع ضد الدولة”، التي شابت التدبير السياسي لهذا الحدث من الحراك الاجتماعي بالريف المغربي، بحيث كان من الممكن تجنب بعض ردود الأفعال التي زادت من تفاقم الأزمة …
ويصف عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس، هذه الدينامية الاجتماعية من الحركات الاجتماعية الشابة بكونها تنطلق من الفضاء العام، ويمكنها أن تتحول بناء على تقدير “ألان تورين” من حركة ذات أفق اجتماعي واقتصادي، إلى حركة ثقافية وقيمية داخل المجتمع،
خاصة وأنها قوة إصلاحية بالأساس تنشد التغيير من داخل الدولة، وتهدف إلى ضمان الاستقرار والأمن، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية بين كافة المناطق والجهات في المغرب، بناء على قيم ومبادئ المساواة والكرامة والشغل، والحق في الصحة والتربية للجميع ..
انسجاما مع هدفها في حماية وحدة الوطن والعيش المشترك، وهي المبادئ والمقومات المثلى الضامنة لهذه الثوابت أمام زحف خطر الفقر والهشاشة الاجتماعية، وعدم تكافؤ الفرص واستفحال الفساد، التي تبقى هي العدو الحقيقي لكل هذه التراكمات الإيجابية .
** محمد المرابطي














