في مدينة إمزورن، لم يعد احتلال الملك العمومي مجرد ظاهرة هامشية، بل أصبح نمطا يوميا يعكس حالة فوضى حضرية شاملة، في ظل غياب أي إرادة فعلية من المجلس الجماعي لمعالجة الوضع، أو حتى الحد منه. الأرصفة، التي وجدت لضمان تنقل الراجلين بأمان، باتت في قبضة أصحاب المحلات التجارية، والباعة الجائلين، والمقاهي، الذين وسعوا أنشطتهم لتشمل حتى أجزاء من الطرق.
حادث الحريق الذي اندلع امس في سلسلة من المحلات التجارية في المدينة لم يكن مجرد كارثة عرضية، بل نتيجة مباشرة لهذا التسيب. فلو كانت الأمور تدار بمنطق القانون، لما تجاوزت المحلات حدودها، ولما استبيح الرصيف والطريق العام. هذه الفوضى هي ما فاقم الخسائر، وأظهر مرة أخرى هشاشة البنية التحتية التنظيمية والرقابية داخل المدينة.
في شوارع رئيسية مثل “شارع الدار البيضاء”، و”الحسن الثاني”، و”بئر إينزران”، أصبح التنقل شبه مستحيل بالنسبة للراجلين، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على السير وسط الطريق المخصص للسيارات. مشهد يومي يختزل بؤس التخطيط الحضري وغياب الصرامة في تطبيق القانون.
تبرز هذه الفوضى الحضرية التي تعيشها إمزورن جملة من الإشكالات العميقة التي تعكس هشاشة البنية التنظيمية والإدارية داخل المدينة. ففي مقدمة هذه الإشكالات يبرز غياب رؤية حضرية متكاملة لدى المجلس الجماعي، وهو ما يجعل تدبير الفضاء العام يتم بشكل ارتجالي وعشوائي، دون استناد إلى خطط واضحة أو معايير حضرية معتمدة. كما أن تغاضي السلطات المحلية عن الخروقات المتكررة زاد من تفشي ظاهرة احتلال الملك العام، بل ساهم في تطبيعها، حتى أصبحت قاعدة لا استثناء. إلى جانب ذلك، يظهر ضعف الشرطة الإدارية وغياب المراقبة الميدانية المستمرة كعنصر أساسي في هذا الخلل، حيث لا وجود لتتبع صارم أو تدخلات رادعة. ولا يمكن إغفال غياب بدائل قانونية ومنظمة لاحتضان الأنشطة غير المهيكلة، وهو ما يدفع العديد من الباعة الجائلين إلى احتلال الأرصفة كحل اضطراري في غياب إطار منظم وشامل.
وللخروج من هذا الوضع المتردي، تبرز ضرورة إطلاق حملة تحرير حازمة للملك العمومي، تنفذ بشكل مشترك بين المجلس الجماعي والسلطات الأمنية، وفق برنامج واضح وجدولة زمنية دقيقة. كما ينبغي التفكير في توفير فضاءات بديلة ومهيأة لاحتضان الباعة الجائلين، تضمن لهم الحق في الكسب ضمن إطار قانوني ومنظم يحترم حرمة الفضاء العام. ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح دون تشديد المراقبة وفرض غرامات تصاعدية على كل تجاوز، بما يضمن الردع والاستمرارية. إلى جانب ذلك، يجب تفعيل دور الشرطة الإدارية بشكل جاد، وتكوين أعوان مراقبة مختصين تكون لهم صلاحيات واضحة للتدخل الميداني. كما أن تأهيل الأرصفة وتوسيعها، وجعلها مهيأة لمرور الراجلين وذوي الاحتياجات الخاصة، يشكل خطوة أساسية في أي إصلاح حضري. ولا يجب أن نغفل أهمية إشراك المجتمع المدني في عمليات الرصد والتبليغ، من أجل خلق دينامية مجتمعية تساهم في حماية الفضاء العمومي وتعزيز ثقافة احترامه
إن الوضع القائم في إمزورن ليس قدرا محتوما، بل نتيجة مباشرة لتقاعس واختيارات سياسية ضعيفة. إصلاحه يتطلب شجاعة في القرار، وصرامة في التطبيق، وإرادة حقيقية تعيد للمدينة كرامتها، وللمواطنين حقهم في العيش في فضاء حضري منظم وآمن.
الياس المرابط