الجريمة مستمرة والجميع غير آبِهٍ والبحر يحتضر
إنّ صغار الأسماك، التي نسمّيها في الحسيمة “تشانكيتي” وتُعرف عربيًّا بـ “القوبيان”، تتعرّض لعملية إبادة ممنهجة تمارسها أيادٍ لا تعي حجم الجريمة التي ترتكبها في حق البحر وثروته. فهؤلاء لا ينتظرون بضعة أشهر ليكبر السمك ويمنح آلاف الصناديق المتنوعة، بل يسارعون إلى صيده في أولى مراحل تشكّله، فيقتلون دورة الحياة من بدايتها، ويقودوننا مباشرة إلى كارثة بحرية وواقع أسود يشهده الجميع اليوم: شحّ البحر، وقلّة المصيد، وانهيار المخزون السمكي.
إنّ من يقتل صندوق من القوبيان في يومه الأول، إنما يقتل بعد أشهر عشرات الآلاف من الصناديق التي كانت ستنعش الميناء وتغذّي السوق المحلي، ويقطعون ارزاق البحّارة الشرفاء الذين يركبون البحر قبل كل مغرب، ويعود صباحاً ليبحث عن قوت يومه بعرق جبينه واحيانا يعودون كنا دخلوه “حتى حوتة”. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام بحر شحيح، ومصيد لا يكاد يُذكر، وثروة سمكية تعيش انهياراً مرعباً يهدد مستقبل المدينة ومهنييها.
وما يزيد الطين بلّة أنّ هذه الكارثة ليست وليدة الصدفة، بل هي وليدة تجاهل وصمت ولا مبالاة رسميّة. فإني أحمل المسؤولية كاملة للسلطات المعنية، التي لم تُفعِّل الرقابة ولم تُصدر التعليمات الصارمة للشيوخ والمقدَّمين للتبليغ عن هذه الجرائم الكبرى في حق البيئة البحرية. والأسوأ من ذلك أن “التشانكيتي” يُباع أحياناً على مرمى خطوات من أعين السلطة في بوكيدارن، دون أي تدخل أو ردع أو حتى استنكار.
إنّ استمرار هذا الوضع يعني موت البحر، وموت مستقبل الصيد في الحسيمة. لقد بلغ الأمر حدّاً يستدعي استيقاظ الضمائر وتحمّل المسؤولية قبل فوات الأوان. وآن الأوان لكل جهة أن تقوم بواجبها:
السلطات بالتدخل الفوري وبسط الرقابة وتطبيق القانون بحزم.
الشيوخ والمقدمون باليقظة والتبليغ بدل التغافل.
المهنيون الشرفاء بالضغط والتوعية ورفض المشاركة في الجريمة.
الساكنة بعدم شراء هذا المنتوج القاتل لدورة الحياة البحرية.
وإلا سنصحو يوماً على بحرٍ ميت… لا ينعش ميناءً، ولا يطعم أسرة، ولا يحمل لنا سوى الحسرة على ثروة أهدرت بين أيدينا بصمت.
** محمد عابد














