المغرب اليوم أمام مفترق طرق. خطاب الملك الأخير بمناسبة عيد العرش كان واضحًا وصريحًا: الحكومة مطالبة بتنزيل سياسات مستعجلة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، لأن البلاد لا يمكن أن تتقدم “بسرعتين”، حيث توجد مناطق متقدمة وأخرى تعاني من خصاص في الخدمات والبنيات الأساسية. الرسالة واضحة: التنمية يجب أن تشمل كل المواطنين، دون استثناء.
لكن، هل فهمت الحكومة هذه الرسالة؟ خصوصًا رئيس
الحكومة، الذي بدا في خرجة إعلامية يوم أمس في شرود تام بين توجيهات الملك وواقع الشباب المغربي. ركز على الإنجازات والمؤشرات العامة، متجاهلاً المعاناة اليومية للشباب، البطالة، الفوارق الاجتماعية والمجالية في المدن والجهات النائية.
الشباب المغربي، خصوصًا الجيل Z، خارج أي تأطير سياسي أو اجتماعي. هذا الجيل متصل بالفضاء الرقمي، و واعٍ بما يعيشه مقارنة بما يُعلن، وقادر على التعبير عن مطالبه بسرعة وفعالية. أي احتجاج يقوده سيكون غير متوقع النتائج، صعب التحكم فيه، وربما سريع الانتشار.
تجربة نيبال أقرب مثال يمكن أن نستفيد منه: هناك، الشباب يشكل حوالي 40% من السكان، و يعانون من بطالة مرتفعة، و تهميش اجتماعي، وفساد مستشري داخل الطبقة السياسية. الحكومة حاولت حجب مواقع التواصل الاجتماعي ظنًا منها السيطرة على الغضب، لكن المشكلة الجوهرية لم تُحل، ومع إعادة فتح المنصات اشتعلت الاحتجاجات أكثر، حتى استقال رئيس الوزراء ووزير الداخلية و الاحتجاجات مازالت مستمرة.
في المغرب، المؤشرات واضحة:
• البطالة بين الشباب تجاوزت 35%، والفوارق الاجتماعية والمجالية لا تزال كبيرة بين المدن والعالم القروي.
• الفساد مستمر بدرجة 37/100، ما يزيد إحباط الشباب ويزيد من فقدان الثقة في المؤسسات.
• الجيل Z المغربي واعٍ ومتفاعل رقميًا، وأي شعور بالتجاهل قد يشعل شرارة احتجاجات حقيقية.
الدرس واضح: أي بيانات رسمية أو خرجة إعلامية مبالغ فيها (خرجة رئيس الحكومة البارحة)، دون التوجه بخطاب سياسي واضح للشباب من أجل معالجة البطالة والفوارق الاجتماعية والفساد، قد تكون شرارة لاحتجاجات يقودها الجيل Z، يصعب السيطرة عليها.
الحل ليس في الكلام، بل في ترجمة خطاب الملك إلى واقع ملموس: برامج تشغيل حقيقية للشباب، دعم الابتكار وريادة الأعمال، مكافحة الفساد بصرامة، وتحسين الخدمات الأساسية في كل المناطق، خصوصًا في الجهات الهشة.
هذا فقط سيمنع الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع الشباب من التحول إلى أزمة حقيقية.
تجربة نيبال تذكرنا شيئًا واحدًا: الشباب الرقمي غير المؤطر يتحرك بسرعة، ويمكن أن يخلق موجة احتجاجية لا يمكن التنبؤ بنتائجها. المغرب أمام اختبار حقيقي: تحويل الكلام إلى واقع، قبل أن تتحول الفجوة
بين الخطاب والواقع إلى أزمة يقودها الجيل Z.
** وصفي البوعزاتي














