شعار” من أجل إعلام عمومي مواطن في خدمة الشعب ويرسخ قيم الحداثة والديمقراطية والتعدد والاختلاف والانفتاح”شكل مطلبا مركزيا منذ عقود .وارتفعت بهدف تحقيقه الأصوات الغاضبة في الشارع وفي المؤسسات وفي منصات التواصل الاجتماعي مطالبة بالتغيير والإصلاح والتأهيل والانفتاح .وملحة على ضرورة وضع حد لحالة التردي الشامل التي وصل إليها إعلامنا العمومي، ورفع مستوى أدائه ودمقرطة تسييره حتى يلعب دوره التاريخي والطبيعي في تغطية مختلف الأحداث داخل المغرب وخارجه بشكل مهني، ومرافقة التحولات التي يعرفها المجتمع ومناقشة شتى القضايابعيداعن الهاجس الأمني ورهاب الخطوط الحمراءوالبروباغندا”الدعاية السياسية بطريقة فجة”.لكن يبدو أن الأصوات الغاضبة والمنتقدة لطريقة اشتغال الإعلام العمومي “الرسمي” وفي مواقع عديدة.في المؤسسات الإعلامية.. في النقابات..في الأحزاب. . في نسيج المجتمع المدني..في صفوف النخب..حتى وسط رجال الأعمال… وجدت أمامها – أي الأصوات- حواجز سميكة ومتاريس صلبة ،هي من صنع وهندسة من يفترض فيهم ماسكين بخيوط الإعلام العمومي .تجمعهم مصالح مشتركة وتوحدهم إرادة مقاومة أي تغيير قد يعصف بما جنوه من ثمار،.وأيضا بسبب إستراتجية التعتتيم التي استهدفت شعبا بأكمله .
و اللافت للنظر في هذا الوعي الاستثنائي والذكاء الخارق لهؤلاء المسؤولين ،هو الشعور بالاطمئنان إلى درجة الغرور.وكأن حال لسانهم يقول للمواطنيين “نحن أدرى بشعاب ودهاليز الإعلام العمومي. ونحن الأجدر والأقدر والأكفأ للقيام بأي تغيير أو إصلاح أوتأهيل .عدا ذلك مجرد كلام فارغ وشعارات تسعى إلى التويش و نشر عدم الاستقرار في مؤسسة حساسة وإستراتجية .
ومنذ انطلاق احتجاجات جيل Z وعلى امتداد أيام طرح بحدة سؤال لماذا الإعلام العمومي يخلف الموعد مرة أخرى ،و يأبى إلا أن يدير ظهره للتاريخ؟ فقد اختارت تلفزات القطب العمومي تجاهل الاحتجاجات والاكتفاء بما يصدر عن الحكومة و عن وزارة الداخلية ومؤسسة النيابة العامة. وكأن هذه الاحتجاجات تقع في دولة أخرى. أو على الأصح لا وجود لها. وتبعا لذلك تولى الإعلام البديل بمختلف منصاته والإعلام الدولي القيام بمهمة مواكبة وتغطية وتحليل الاحتجاجات. بصرف النظر عن الخط التحريري لكل مؤسسة. و خطورة نشر أخبار كاذبة ووقائع متفقة وتأويلات مضللة.
وعندما تغيرت مقاربة الدولة مع الاحتجاجات بعد ليلة دموية وعنيفة في أكثر من منطقة . وألح الشباب على سلمية الاحتجاجات.طرأ بعض التحول التدريجي على كيفية تعاطي الإعلام العمومي مع مطالب هؤلاء الشباب. وبادرت بعض القنوات إلى استضافة مسؤولين في الحكومة والدولة ونشطاء من جيل زيد ومن المعارضة إلى جانب باحثين في السوسيولوجيا والعلوم السياسية والإعلام. وكان من الطبيعي أن تستحسن شرائح عريضة من المغاربة التحول، الذي بدا بالنسبة للبعض بمثابة فتح إعلامي غير مسبوق. وهناك من رأى فيه إنجازا مهنيا أحدث فجوات في جدار الجمود .علما أن الدور الطبيعي لهذا الإعلام هو أن يتفاعل ويواكب ويقدم البرامج الحوارية ويستضيف مختلف الفاعلين ومختلف تيارات الرأي داخل المجتمع .لكن هذا الدور وبحكم طبيعة المنظومة الإعلامية العمومية في المغرب وخطها التحريري وهيمنة الهاجس الأمني وغياب الإرادة السياسية لإصلاحه ،يصبح أمرا مستحيلا وأمنية بعيدة المنال. .
ولا أدري إلى أي حد اقتنع الحاكمون ومدبرو شؤون هذا البلد بضرورة قراءة وتفكيك المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والقيميةوالنفسية والثقافية التي يحبل بها الواقع.ووضع مختلف الاحتجاجات والديناميات الاجتماعية تحت المجهر. بغية استخلاص الدروس والنتائج والعناصر التي يمكن الاستئناس والاقتداء بها عند الإقدام على أي مبادرة أو تدابير من شأنها أن تشعر شرائح عريضة من المغاربة. بكرامتهم، وتقنعهم بجدوى ومصداقية ما يرفع من شعارات ومايتخذ من قرارات . بما في ذلك قرارات جريئة وإشارات قوية ودالةفي قطاع الإعلام .مثل مباشرة إصلاحات عميقة في القطب العمومي .و وضع حد للمسار غير السليم الذي سار فيه المجلس الوطني للصحافة .و المراهنة على صحافة مهنية وذات مصداقية.
عبد الصمد بنشريف














